موضة و جمال

تحول الموضة في السعودية من الاستهلاك إلى الإبداع

شهدت المملكة العربية السعودية تحولات اجتماعية هامة أعادت الاعتبار للمرأة العاملة في مجالات الإبداع، بما في ذلك مجال الموضة. بفضل جهود المؤسسات الحكومية، فتحت الباب أمام المصممات السعوديات للمنافسة على المستويين المحلي والعالمي، بعد أن كانت المملكة مجرد سوق للمنتجات العالمية.

تاريخ التحول يتتبعه نساء كانوا في السابق مجرد متلقيات للموضة العالمية، لكنهن أصبحن اليوم منتجات ومبدعات يتمتعن بجرأة في التعبير عن أنفسهن، وذلك بدعم من برامج الحكومة والفرص التي أتاحتها لهن.

تزايد الاهتمام بالموضة المحلية يعكس تغيّرًا في تفكير النساء السعوديات، حيث بدأن في اعتماد التصاميم المحلية التي تعكس هويتهن، ورغبتهن في التميز والتعبير عن ذواتهن بطرق تنسجم مع التوجهات العالمية، مع الحفاظ على الهوية الثقافية السعودية.

التواصل عبر الشبكات الاجتماعية كان له دور كبير في تعزيز هذا التحول، حيث باتت الأنماط الجديدة في الموضة متاحة وملهمة للشباب، مما يسهم في تعزيز ثقتهم بالتعبير عن أنفسهم واختيار أسلوب الموضة الذي يناسبهم.

 

أماني رضوان، صانعة محتوى متخصصة في مجال الأزياء وعضوة في مجلس سيدات الأعمال، تشير إلى التقدم الاقتصادي الكبير الذي تحققه المملكة العربية السعودية في إطار تنفيذ رؤية 2030. تبرز رضوان أهمية تصميم الأزياء كمجال رئيسي يتمتع بدعم حكومي واهتمام متزايد، حيث تم تضمين دروس الخياطة وتصميم الأزياء في مناهج الجامعات السعودية، مما يمنح الفتيات الفرصة لتعلم المهنة وتطوير مشاريعهن الخاصة.

وتوضح رضوان أن وسائل التواصل الاجتماعي قد ساهمت في إبراز مواهب مصممي الأزياء المحليين ونشر إبداعاتهم على المستوى العالمي. كما تشير إلى برنامج الابتعاث الثقافي الذي أطلقته وزارة الثقافة، والذي يشمل تخصصات متعددة تتعلق بالفنون والثقافة، بما في ذلك تصميم الأزياء وصناعة المجوهرات.

وتعتبر رضوان أن هذا التحرك الهام يسهم في تطوير صناعة الأزياء وجعلها أكثر تطوراً واحترافية، من خلال الجمع بين التعليم والخبرة التي يقدمها المبتعثون، مما يضع المملكة في موقع ريادي في هذا المجال.

وتؤكد رضوان أن هناك تخصصات متنوعة وواعدة في صناعة الأزياء في السوق السعودية، مما يشجع الفتيات على اختيار مسارات مهنية متنوعة مثل تجارة الأزياء، وعرض الأزياء، وتكنولوجيا الأزياء، وغيرها. وتبرز الفرص المتاحة أمام الشباب السعودي للانخراط في هذا المجال من خلال مهن مثل “ميك آب أرتيست” و “مدربة أزياء” و “فاشنيستا”، مما يشير إلى ازدهار صناعة الموضة في المملكة بشكل واضح وتوسع مجالات العمل فيها.

 

تظهر تأثيرات حالة الانفتاح الاجتماعي وتمكين المرأة بوضوح على نساء المملكة العربية السعودية في بيئات العمل والأماكن العامة، حيث باتت تفضل الأزياء العملية والعباءات المريحة لتسهيل حركتها ونشاطاتها، وتتجه نحو استخدام الألوان الزاهية لمواكبة متطلبات فصول العام. يلاحظ هذا الاتجاه دينا الفارس، مؤسِّسة “قمرة”، التي تركز على تصميم ملابس العمل للسيدات، وتسعى إلى الحفاظ على أنوثة المرأة مع توفير ملابس عملية ومحتشمة تعكس قدراتها ودورها الاجتماعي والاقتصادي.

الفارس تؤكد أن التصاميم التي تقدمها تهدف إلى تعزيز ثقة المرأة بنفسها وتسهيل أدائها اليومي في العمل، وتعتمد على مظهر خارجي لائق يعكس احترامها وجدارتها في مجال عملها.

من جانبها، تشير شعاع الدحيلان، خبيرة التجميل ورئيسة لجنة المشاغل والمراكز النسائية بالغرفة التجارية بالمنطقة الشرقية السعودية، إلى تطور كبير في صناعة التجميل في المملكة، حيث أصبحت هذه الصناعة تتمتع بفرص جذابة للاستثمار.

تؤكد الدحيلان أن هذا التطور لا يقتصر على التزيين فقط، بل يتضمن أيضًا تصنيع المنتجات ومواكبة التطورات التقنية في هذا المجال، مما يجعلها خيارًا مثيرًا للمستثمرين والراغبين في الانخراط في هذا القطاع المزدهر.

 

تضيف الدحيلان: “نحن نعمل جاهدين في اللجان، مثل لجنة الصالونات ومراكز التجميل في المنطقة الشرقية واللجنة الوطنية لقطاع التجميل، على تطوير وتنمية هذه الصناعة لتصبح وطنية بحتة، من خلال تعزيز التوطين وتوفير بيئة عمل محفزة، والاعتراف بأن الكفاءات المحلية متوفرة وجاهزة للاستفادة من الفرص المتاحة… نسعى جميعًا إلى تقديم مبادرات تعزز هذه الصناعة في المملكة، مع التوافق مع برامج جودة الحياة ورؤية المملكة والاستراتيجيات التنموية.”

يُلاحظ المراقب للساحة السعودية حاليًا أن الموضة في المملكة اكتسبت هوية فريدة، تمزج بين الانفتاح والأصالة، من خلال دمج التصاميم الحديثة مع الطابع التقليدي، مما يجعل صناع الموضة يتوقعون لها دورًا بارزًا في صناعة الأزياء على المستوى العالمي. من قلب عاصمة الموضة باريس، قدمت نورة الحميد، مصممة أزياء سعودية، مؤخرًا 20 زيًا محتشمًا من مجموعتها لفساتين السهرة “هوت كوتور” في متحف اللوفر، ضمن فعاليات “أسبوع الموضة 2020” للأزياء الربيعية والصيفية “كوتور”.

تعبر الحميد، خلال حديثها لـ “الشرق الأوسط”، عن تفاؤلها بأن تكون للسعودية دور بارز في صناعة الأزياء المحافظة المطعمة بالروح العصرية، وتقول: “لدينا في جامعة الأميرة نورة في الرياض عدد كبير جدًا من خريجات قسم التصميم، ولدينا جيل واعد صاعد، لذا أنا متفائلة بأن يكون للمصممات السعوديات دور بارز على الساحة العالمية”.

 

تصف الحميد، التي بدأت تصميم الأزياء في عام 2008، الأزياء المحافظة بأنها تمثل ملابس الطبقة الملكية والراقية، مؤكدة: “أدعو الفتيات السعوديات للإبداع في التصميم، بما يتماشى مع عاداتنا وتقاليدنا”. وتوضح الحميد أن الطلب العالمي على الأزياء المحتشمة كبير للغاية، مشيرة: “المصممون العالميون، مثل زهير مراد وإيلي صعب وفالنتينو، وغيرهم، اتجهوا نحو هذا الاتجاه في عروضهم الأخيرة، خاصة في موسم الـ ‘هوت كوتور’، لأنها تكون في الغالب محتشمة وراقية”.

ويشهد قطاع الأزياء والموضة ازدهارا كبيرا، في ظل التطورات الثقافية التي تعيشها البلاد بفضل رؤية 2030. وكانت وزارة الثقافة قد نظمت في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي فعالية “مستقبل الأزياء”، ضمن برنامج “موسم الرياض”. وتهدف الوزارة من خلال هذه الفعالية إلى دعم قطاع الأزياء، باعتباره أحد قطاعاتها الستة عشر الرئيسية التي أعلنت عنها في وثيقة رؤيتها وتوجهاتها. وافتُتح هذا الحدث بكلمة من الأميرة نورة بنت فيصل آل سعود، مستشارة وزارة الثقافة، حيث تحدثت عن إدراج السعودية لأساليب حديثة في مجال صناعة الموضة، مع الحفاظ على التراث والتقاليد في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى